في رحيل هديل.. عزاء للأديب د. محمد الحضيف

في رحيل هديل.. عزاء للأديب د. محمد الحضيف

د. مبارك بن زعير

فجيعة
الموت عشتها مراراً، وفي أحباب يحتلّون سويداء القلب.. نتجمّع للعزاء في
رحيل أجسادهم.. وترحل إثرها الأيام، لكنّ جرح الفقد لم يندمل.. كلّما طافت
الذكرى هاجت أشجان، واشتعلت أحزان تسبل الدمع، وتحرق القلب… فما أطول
عمر الحزن!!

اللهم أوردها موارد الكرام البررة، واجعلها من المطهّرين

فجعني الخبر عقب صلاة الجمعة وكنت متجهاً لمنزلي، حيث توالت الاتصالات ورسائل الجوال الأليمة…

استدرت متجهاً لمنزل أخي وصديقي المكلوم (أبي المنذر د. محمد الحضيف) فلم أجد أحداً، وكانت الساعة الثانية ظهراً ..

كذلك كان منزل والده (رحمه الله)!!

رائحة الرحيل، وطعمه المرّ كان محيطاً بطبقات الجوّ حينذاك..

اتجهت صوب جامع الراجحي، وما إن وصلته حتى شرقتُ وخنقتني العبرة الحرّى.

كانت سيارات نقل الموتى، وهي (توجّه ظهورها ناحية محراب الإمام)، تعلن في صمت مفجع أنها مراكب الموت!!

كم شاركت في حمل جنازة صديق، أو قريب، أحبة كثر حملنا أجسادهم، ودفعناها لمركبة الموت! الجاثمة قبالة المحراب.

بجوار
مركبات الموت رأيت سيارة (أبي المنذر) ذات اللون الأخضر، فتجمّعت صور
الألم والفقد، وخنقني ألم يتضاعف كلما تلقّيت صورة أخي، رقيق الشعور، صاحب
النفس الشفيفة، الأديب اللطيف في كل أحواله، فكيف ونفسه يصدمها فجعٌ من
نوع قاتل!

يا الله … تضاعفت آلامي، لأن أبا المنذر هو المفجوع، وكم هي أليمة صفعات دنياه، فيا الله أنزل عليه السكينة ..

تحركتُ أجرّ خطاي تجاه مغسلة الموتى، فسألت عن (محمد الحضيف) فقالوا: داخل يغسل بنته!!!

كلمات أشعلت الوجع في قلبي!

ما كانت أذني تحاذر سمعه، هاهو اليوم قدرٌ محتوم على سرير المغسلة!

وأديب الأوجاع يعالج جراحاً جديدة! يا ربي أسكن قلبه السكينة واليقين، وأعنه وخفّف مصابه.

انتظرت حتى فتح الباب وبدت (نفس محمد الحضيف) تسبق خطوات قدميه!

محمد الحضيف الذي يرسم كلمات الحزن، اليوم كان الحزن هو الذي رسم محمد الحضيف، وصاغ منه لوحة معبّرة صامتة!

عانقته ..

بعضُ
كلمات كنت قد أعددتها لعزائه، تبخّر أكثرها، وألقيت ما تبقّى منها في
أذنه، وكان أبو المنذر قد أوكل لنبضات قلبه، ووجيب صدره، وحشرجة نفسه لكي
تردّ عليّ …. فعايشت رسالة الألم في فؤاد أبي المنذر ..

لحظات ثم توجهنا للداخل .. الجسد مسجّى على سرير المغسلة.. نقلوه إلى (النعش) (الآلة الحدباء)..

حملنا النعش (وفيه هديل، وقلب أبي هديل) وتوجهنا لنضعه أمام المصلين ..

وانتظرنا مع الجموع …

فجيعة الموت عشتها مراراً، وفي أحباب يحتلّون سويداء القلب..

نتجمّع
للعزاء في رحيل أجسادهم.. وترحل إثرها الأيام، لكنّ جرح الفقد لم يندمل..
كلّما طافت الذكرى هاجت أشجان، واشتعلت أحزان تسبل الدمع، وتحرق القلب…
فما أطول عمر الحزن!!

الفقد، وتلجلج معانيه في النفس، وتوارد التذكّر؛ منابع الألم اللاذع ..

نعم… نتجلّد .. نتصبّر.. نتلبّس الهدوء ، ولكن القلب أكوام وركام من داء الحزن …

كمّ
الآلام وحجمها المهول رغم أني لم أفقد أباً، ولا ولداً (حفظهم الله) …
فكيف بمن تجرّع الغصّة في أغلى الأحبّة، ونزلاء الفؤاد ؟؟! لك الله يا أبا
المنذر

حبيبي أبا المنذر..

أكذب! ويكذب عليك من يزعم أن الكلمات والحروف تعزّي القلب المكلوم المفؤود، مهما نبعت من قلب محبّ لا يساورك الشكّ في صادق ودّه …

لذا لن أصنع كلماتٍ للعزاء، أفشل ما تكون…

ولن
أصفصف حروفاً أسميها عزاء، وأنا أعرف أنها بلا جدوى!! فالخطب عظيم، والحزن
مقيم، ولكنّي أعزّيك بما يتعزّى به المؤمنون: ((وبشّر الصابرين الذين إذا
أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون))، ((إنما يوفّى الصابرون
أجرهم بغير حساب)) …

هي ـ وربي ـ بلسم الجراح…

وهبك الله اليقين، وأنزل قلبك السلوان

وجمعك بأحبابك في الفردوس، حيث النعيم المقيم…حيث الجزاء الأوفى .. بلا منّة …

أخوك: أبو الليث، مبارك بن زعير

مساء السبت 12/ 5/ 1429هـ

This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a comment