رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما: الرؤساء العرب الذين يحجون إلى واشنطن .. لا يمثلون إلا أنفسهم!

رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما: الرؤساء العرب الذين يحجون إلى واشنطن .. لا يمثلون إلا أنفسهم!
26-8-2009

يوم
بدأت الانقلابات العسكرية تتوالى على المنطقة العربية، كان واضحا منذ
البداية أن اليد الخفية التي تحرك الانقلابيين هي يد واشنطن، في محاولة
منها كي تكون المستعمر الجديد الذي يخلف فرنسا وبريطانيا في إدارة شئون
المنطقة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، وهو الأهم، فقد أرادت سرقة كفاح
الشعوب العربية التي أرغمت المستعمر الأوروبي أن يرحل عن المنطقة، يحمل
جثامين قتلاه الذين سقطوا ـ غير مأسوف عليهم ـ على الأرض العربية التي
رفضت أن تقبلهم أحياء، وترفض أن تحتويهم وميتين.

ابتداء،
فقد كانت واشنطن تختفي وراء أحلاف استعمارية، كحلف بغداد، ومشاريع
اقتصادية مثل مساعدة الدول العربية في استخراج بترولها ومقاسمتها عائداته.
كنا نرى قائد الانقلاب يقف في شرفة القصر الجمهوري يسب ويشتم أمريكا زعيمة
الإمبريالية العالمية. وربما كان لساعات خلت مجتمعا مع السفير الأمريكي
يتلقى منه آخر طبعة في فنون التعذيب التي يصبها على رؤوس معارضيه. (أنظر
كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند).

ويوم أن أعلن
الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" أن كل أوراق المنطقة أصبحت في يد
ساكن البيت الأبيض، فقد بدأت حقبة جديدة من التسلط الأمريكي على مقدرات
المنطقة، من خلال حكام لون بشرتهم عربي، وقلوبهم مسكونة بالولاء لواشنطن.
وما عادوا يجدون غضاضة في أن يعلنوا ـ على الملأ ـ شراكتهم لواشنطن، ومن
ورائها كانت تقف عصابات صهيون، سواء كانوا في تل أبيب أو يعيشون في
واشنطن.

مع أنه بقي في طي الكتمان رؤساء عرب صنعتهم
واشنطن على عينها من أن يوم تخرجوا برتبة الملازم من الكلية الحربية إلى
أن أصبح الواحد منهم برتبة مارشال، وهو ينفذ السياسة الأمريكية سرا. بعد
ذلك فإن الغالبية العظمى من الانقلابيين العرب، أعلنوها صريحة أنهم مع
واشنطن. فما عاد الواحد يستتر من فعلته الشنيعة هذه بانقياده لواشنطن، ولو
على الأقل على طريقة الحديث الشريف الذي رواه الحاكم والبيهقي: "وإذا
بليتم بالمعاصي فاستتروا".

توسل هؤلاء الإنقلابيون
العرب بكل وسائل القهر والإرهاب، سعيا منهم للبقاء في السلطة. فاشتروا
الذمم والضمائر وتركوا الحرية لأزلامهم ليجلدوا ظهور المواطنين.

وإذ لم يكف ذلك، فقد استقدموا شركات أجنبية مستأجرة، حيث ما عادوا يثقون بالعنصر العربي للقيام بتعذيب أخيه العربي.

ومع
أن واشنطن أدركت مؤخرا أن المنطقة بدأت تغلي كالمرجل من تصرفات هؤلاء
الانقلابيين العرب، إلا أنها أخطأت الطريق في احتواء التوترات.

وقد
رأينا "جورج بوش" المنصرف، يزعم أنه يريد أن تبدأ مرحلة جديدة في المنطقة
العربية تسود فيها الديمقراطية، لكن على الطريقة الأمريكية، فأوكل الأمر
إلى وزير دفاعه "رمسفيلد". إلا أن من حكم العراق في عهد جورج بوش كانوا
"ألعن وأدق رقبة". ورأينا بغداد يسود فيها القتل والخراب والتدمير، حتى أن
من قتل في العراق زاد على المليون عراقي أي أكثر من الذين استشهدوا في حرب
التحرير الجزائرية في خمسينيات القرن العشرين.

لقد
كانت قوافل الزعماء العرب تحج إلى واشنطن، زعيما إثر زعيم. (بعض هؤلاء
الزعماء كان يريد أن يخفي علاقته بواشنطن. لأن أصول الصنعة وأهداف الحزب
كانت تقضي بأن يسبها جهارا نهارا، ولا بأس بعد ذلك أن يكون اللقاء في
"جنيف"). إلا أنه في عهد "جورج بوش" الابن تضاءل عدد زوار البيت الأبيض
خوفا من أن تطال هؤلاء لعنات ديمقراطيته.

والمتوقع
أن تنشط رحلات الحج بعد أن انتخب "باراك أوباما" رئيسا لأمريكا، وبعدما
سمعوا منه كلاما معسولا في خطاب "التنصيب" في 20 يناير الماضي، ثم في
خطابه الذي ألقاه في يونيو الماضي من على شرفات جامعة الأزهر. ثم هاهو
مؤخرا يبارك للمسلمين بحلول شهر رمضان من أمام مكتبه البيضاوي في واشنطن،
بخطاب لم يستطع أي زعيم مسلم ـ لشديد الأسف ـ أن يضّمن معاني ما جاء في
خطاب أوباما في كلمته التي يلقيها عادة في مستهل شهر رمضان (هذا إن كان
هذا الزعيم أو ذاك قد وجه كلمة بهذه المناسبة)، ونتمنى أن يقرن "أوباما"
القول بالفعل.

نضيف هنا في معرض رسالتنا هذه المفتوحة الموجهة إلى فخامة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بعض الملاحظات والتمنيات:

أولا:
اعلم أيها الرئيس المنتخب من الشعب الأمريكي مباشرة، أن كل الرؤساء العرب
الذين قد يحجون إلى واشنطن، ليس فيهم رئيس عربي منتخب ـ ديمقراطيا ـ من
شعبه. وإذا كان هناك من استثناءات، فقد تدخل العسكر بطريقة أو بأخرى لفرض
مرشحهم وإنجاحه وإسقاط المرشحين الآخرين. أما الرئيس اللبناني فأنتم
تعرفون الملابسات التي فرضت انتخابه.

ثانيا: اعلم
أيها الرئيس المنتخب ديمقراطيا من الشعب الأمريكي أن معظم الزعماء الذين
يحجون إليكم من لا يمثلون إلا أشخاصهم وعائلاتهم. لأننا ـ ونحن في بداية
الألفية الثالثة ـ نشهد ردة عن جمهورية أفلاطون. وأن هناك من بين هؤلاء
الرؤساء الذين حجوا إليك من يريد أن يحول بلده إلى ملكية وراثية، فيضمن
لابنه أن يكون رئيسا ملكا من بعده. وقد كنا نتوقع أنك تلفت نظره إلى أن
هذا الأمر سيثير زوابع وبراكين إذا ما تم التوريث.

ثالثا:
مع أنه لم يتم اتصال مباشر بينكم وبين الرئيس السوري "بشار أسد". ونعتقد
أن ذلك لا بد أن يتم، عاجلا أو آجلا، لأننا فهمنا أن من مرتكزات سياستكم
أن تستمعوا لكل الرؤساء والقادة، لأن سياسة الإقصاء لا تؤدي إلا إلى زيادة
العداء والخصومة. وإذ نتوقع أن تلتقوا بالرئيس السوري ـ أو حتى عن طريق
الهاتف ـ فإننا نود أن نحملكم رسالة إليه تتضمن: أن يلغي القانون 49 لعام
1980، الذي ما يزال ساري المفعول منذ عام 1980، والذي يحكم بإعدام كل من
ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وأن يفتح حدود سورية ـ التي ما زالت مغلقة
منذ عام 1979 ـ أمام مئات الآلاف من السوريين المشردين.

رابعا:
قلتم في خطابكم الذي وجهتموه إلى العالم الإسلامي في بداية شهر رمضان، أنه
"كانت السفارات الأميركية في جميع أنحاء العالم تتواصل، ليس مع الحكومات
فحسب، وإنما مع الشعوب مباشرة في الدول ذات الأغلبية المسلمة". وقد تلفتنا
يمينا ويسارا علّنا نسمع أو نرى اتصالا جرى مع منظمات المجتمع المدني، أو
مع المعارضات المحاربة من قبل الأنظمة؟ فلم نجد شيئا من ذلك قد حصل. أم
لعل هذه السفارات تنقل إليكم الأمور مغلوطة؟

رابعا:
كم كان تقديرنا عاليا لقولكم إن "من أولئك الذين هم بيننا ممن لا يستطيعون
اعتبار وجبة طعامهم التالية أمرا مسلما به. وإن الدعم الذي يقدمه المسلمون
للآخرين إنما يستدعي التفكير بمسؤوليتنا نحن بالدفع قدما بالفرص والرخاء
للناس في كل مكان". انطلاقا من هذه المقولة الرائعة، فإنا نلفت نظر
فخامتكم إلى أن هناك مؤسسات للعمل الخيري كانت تطعم ـ انطلاقا من أمريكا ـ
آلاف الفلسطينيين، وقد قام سلفكم "بوش" بإغلاقها واعتقال المشرفين عليها،
علما أن المسئولين عن هذه المؤسسات تقدموا بكل المستندات التي تثبت أنهم
كانوا يجمعون الدعم في وضح النهار، وأنهم يحولونها إلى مستحقيها عبر
القنوات المشروعة.

أخيرا: أعتقد المسلمون ممن
توجهتم إليهم بالتهنئة بشهر رمضان بأنكم، انطلاقا من مقولتكم التي تذكّر
بأناس "لا يستطيعون اعتبار وجبة طعامهم التالية أمرا مسلما به"،أنه في
خاطركم مليون ونصف المليون من شعب "غزة" ينطبق عليهم هذا الكلام، وأنكم لا
بد قد لفتّم انتباه الرئيس المصري "حسني مبارك" عندما حج إليكم: بأن يفتح
معبر رفح أمام قوافل الخير التي تتوجه إلى غزة، لكنها قد تقف أشهرا دون أن
يسمح لها بالعبور لتصل إلى مستحقيها.

رمضان كريم يا فخامة الرئيس.

This entry was posted in Muslim Affairs. Bookmark the permalink.

Leave a comment